
حياة ميّ زيادة التّعريف بالأديبة مي زيادة مي زيادة، هي الشّاعرة والأديبة الفلسطينيّة واللّبنانيّة وإحدى الشّخصيّات التي برزت في تاريخ الأدب العربيّ النَّسَويّ، فكانت عَلَماً مشهوراً في النِّصف الأول من القرن العشرين، بالإضافة إلى أنّها تطرّقت إلى الفلسفة، والتّاريخ العربيّ والإسلاميّ.
لم يكن اسم “ميّ” هو الاسم الأصليّ لها، إنّما هو الاسم الذي اختارته لنفسها، أمّا اسمها الأصليّ فهو “ماري”، واختيارها لاسمها يعود لكون اسمها الأول إفرنجيّ وغير مألوف عند مسامع العرب، في حين أنّ اسمها الذي اختارته عربيّ وخفيف على مسامع الأذن وسهل النُّطق كذلك، بالإضافة إلى أنّ هناك العديد من الأسماء التي سُمّيت بها ميّ، مثل: إيزيس كوبيا، وعائدة، وكنار، وشجية، والسّندبادة البحريّة الأولى، وأيضاً مداموزيل صهباء، وخالد، ورأفت، وكانت ميّ توقّع على المقالات والقصص التي تكتبها بهذه الأسماء، وتختلف الأسماء عندها باختلاف أحوالها، وتُشير إلى ذلك فيما كتبته في رسالتها الأولى لجُبران خليل جُبران، وذلك عام 1921م: “أُمضي مي بالعربيّة، وهو اختصار اسمي، ويتكوّن من الحرفين الأول والأخير من اسمي الحقيقيّ الذي هو ماري، وأُمضي إيزيس كوبيا بالفرنجيّة، غير أنّ هذا لا أسمى ولا ذاك، إنّي وحيدة والديّ، وإنْ تعدَدَت ألقابي
نّشأة ميّ زيادة وطفولتها وُلِدت ميّ زيادة في فلسطين في مدينة النّاصرة تحديداً، وذلك في الحادي عشر من شهر شباط عام 1886م، والدُها هو إلياس زيادة، أصلهُ من لُبنان، أمّا أمُّها فهي نُزهة معمر، والتي تُعدّ من أصحاب الأدب الذين يُعنَون بحفظ الأشعار، وقد حظيت الأديبة مي زيادة باهتمام كبير من والديها كونها الابنة الوحيدة لهما بعد وفاة أخيها، وممّا قالته أمُّها فيها: “أن من ينجبْ ميّاً، لا يُنجبْ غيرها
انتقل والدُها للعيش في مدينة النّاصرة الفلسطينيّة في النّصف الثّاني من القرن العشرين، وذلك بعد أن كان يسكن في قرية شحتول في لبنان، وكانت مدينة النّاصرة موطن اجتماع والديّ مي، فأمُّها من أصل سوريّ إلّا أنّ موطنها في فلسطين، ومن الجدير بالذِّكر أنّ لخلفيّة أمِّها الثّقافيّة والأدبيّة سبباً في إعجاب إلياس زيادة بها
بدأت ميّ زيادة أول مراحلها التّعليميّة في مدارس النّاصرة الابتدائيّة، ثمّ عادت لموطن أبيها في لبنان، وفي كسروان تحديداً وهي في سنّ الرّابعة عشر، ثمّ تابعت دراستها في دير الرّاهبات في منطقة عينطورة، إلّا أنّ ذلك لم يُنسها المدينة التي وُلدت فيها، فكان لمدينة النّاصرة دائماً في ذاكرتها حيّز لا يُنسى، وإن زارتها تُخاطبها شاكرة إيّاها على ما عاشته فيها. اهتمّت ميّ زيادة بدراسة الّلغة العربيّة، والّلغات الأجنبيّة، بالإضافة إلى جوانب أخرى تتعلّق بالفنّ، والغناء والموسيقى، فتعلّمت العزف على آلة البيانو، فكانت ترى في الموسيقى تسلية لها لما تعيشه من الغُربة، وممّا قالت فيها: “إنّها تُنيِّلُني أجنحة، وتطير بي إلى عوالم لا يطرقها غيرها”. بعد أنْ تخرّجت مي من مدرسة دير الرّاهبات عام 1904م رجعت إلى النّاصرة عند أهلها، وفي عام 1908م انتقلوا جميعاً إلى مِصر، فاستقرّوا في القاهرة، ودرست هُناك في جامعتها الفلسفة وآداب الّلغة، ودرست كذلك تاريخ الّلغة بالإضافة إلى الّلغات المُختلفة، مثل: الفرنسيّة، والسّريانيّة، واليونانيّة القديمة، واللاتينيّة، وكذلك الإنجليزيّة، والألمانيّة، والإيطاليّة، والإسبانيّة، كما أنّها دخلت مسيرة التّربية والتّعليم فعملت فيها. ميّ زيادة والصّحافة تُعدّ ميّ زيادة ممّن أبدعوا في مجال الصّحافة، فكانت تكتب المقالات التي لها الأثر الاجتماعيّ في الصّحافة المصريّة، وتتميّز مقالاتها بأسلوب مُختلف وخاصّ بها؛ فكان أسلوباً مليئاً بالعاطفة، والمشاعر الجيّاشة، بالإضافة إلى ما تملكه من الثّقاقة الواسعة سواء العربيّة أو الأجنبيّة، ومن الصُّحف التي كتبت فيها صحيفة “المحروسة”، وكان لها فيها باب خاص وثابت اسمه “يوميّات فتاة”، وكانت تستعرض في هذا الباب مقالاتها بطريقة جريئة وتُمضي في نهايتها بأسماء مُستعارة، وممّا أضافته ميّ إلى عملها في الصّحافة إنشاء باب جديد في صحيفة “السّياسة الأسبوعيّة” وتسميته “خليّة النّحل”، وكان هذا الباب قائماً على أساس الأسئلة والأجوبة الصّادرة ممّن يُريد من قُرّاء الصّحيفة أن يسأل سؤالاً أو يُجيب على سؤال مطروح، أمّا وظيفة الصّحيفة في هذا الباب فكانت باختيار ما هو مُناسب من هذه الأسئلة والأجوبة وإعادة صياغتها بشكل جيّد
زادت ميّ زيادة من إقبال الفئة الشّبابيّة على القراءة من الجريدة بإنشائها باب خليّة النّحل التّفاعليّ، وبهذا تكون قد أضافت عاملاً مُهماً في الصّحافة، ومع أنّ هذا الباب يُعدُّ عملها “الفنيّ” الأول في الصّحافة إلّا أنّه كان الأخير، لأنّها فضّلت أن تكون كاتبة غير مُقيَّدة بأحد وأنْ تكون حرّة لا تختلط مع من تكتب لهم
عَمَدت الأديبة ميّ زيادة إلى إنشاء صالون أدبيّ خاصّ بها تحت اسم “ندوة الثّلاثاء” وذلك في عام 1912م، واعتمدت بيت أبيها القائم في القاهرة مقرّاً لهذا الصّالون لتُعقد النّدوة فيه أسبوعيّاً، حيث نالت التّقدير والاحترام الكبير من حاضريها لِما تتمّتع به من ذكاء وشجاعة في إدارة النّدوة بأدب ورُقيّ، واستمرّ عقدُ هذه النّدوة عشرين عاماً مُنذ نشأتها، وكان العقّاد قد قال فيها: “ووُهِبتْ ما هو أدلّ على القدرة من ملكة الحديث، وهي ملكة التّوجيه، وإدارة الحديث بين مجلس المختلفين في الرأي والمزاج والثّقافة والمقال”، وممّن اشتهرت أسماؤهم في ارتياد صّالون ميّ الأدبيّ: أحمد زكي باشا، وأحمد شوقي، وعبّاس محمود العقّاد، وطه حسين، ومصطفى صادق الرّافعيّ، والباحثة مَلك حقني ناصف، وهي المرأة الوحيدة في الصّالون.
